تأملات في سفر الرؤيا 2 .." إعلان من الله" | بقلم قداسة البابا شنودة الثالث
السبت 21 سبتمبر 2013 بقلم قداسة البابا شنودة الثالث
يبدأ سفر الرؤيا بهذه العبارةإعلان يسوع المسيح الذي أعطاه إياه ليري عبيده ما لابد أن يكون عن قريب.وبينه مرسلا بيد ملاكه لعبده يوحنا الذي شهد بكلمة الله, وبشهادة يسوع المسيح بكل ما رآهيو1:2,1.
وهنا أول نقطة تتضح لنا:أن الله لايبخل علي أولاده بالإعلان بل أنه يكشف أسراره لمحبيه.
+++
+لما أراد الله أن يحرق سادوم وعمورة من فرط فسادهما قال الرب:هل أخفي عن إبراهيم ما أنا فاعله؟!وإبراهيم يكون أمة كبيرة وقوية ويتبارك به جميع أمم الأرض لأني عرفته لكي يوصي بنيه وبيته من بعده..تك18:17-19.
ولم يستطع الرب في محبته لإبراهيم-أن يخفي عنه ما سوف يفعله بل أعلنه له ولم يكتف بالإعلان بل أعطاه أيضا فرصة لكي يبدي رأيه وأن يناقش الأمر مع اللهتك18:23-32
حقا إن سر الرب لخائفيهمز25:14
+++
+ ولما أراد الرب-أن يفني الشعب الإسرائيلي بعد عبادتهم للعجل الذهبي قال الرب لموسي...الآن اتركني ليحمي غضبي عليهم وأفنيهم فأصيرك شعبا عظيماخر32:10كما لو كان موسي ممسكا بيد الرب فيلزم أن يترك يده ليفعل ما يشاء!
ولم يكتف الرب بأن يعلن لموسي ما سوف يفعله بل أيضا أعطاه الفرصة أن يحتج علي إفناء الشعب وأن يقولارجع يارب عن حمو غضبك.. خر32:12وقد كان..
+ وهكذا كان بعض الأبرار يتعجبون أن أخفي الرب عنهم أمرا مهما لهم.وقد يعاتبونه في ذلك.
حدث هذا بالنسبة إلي إليشع النبي:لما أتته المرأة الشونمية حزينة بسبب موت ابنها أنه قال لتلميذه جيحزي...أن نفسها مرة فيها والرب كتم الأمر عني ولم يخبرني2مل4:27.
وحدث أيضا لما زار القديس مكاريوس الإسكندراني أحد أديرة القديس باخوميوس في أقصي الصعيد متخفيا وما كان رهبان الدير يعرفونه ولكنهم بهتوا من نسكه وصغرت نفوسهم داخلهم...فذهب القديس باخوميوس إلي الجبل وألقي نفسه أمام الله وقال له لماذا يارب أخفيت عني حقيقة هذا الإنسان من هو؟فكشف له الرب أنه القديس مكاريوس الإسكندراني....
+++
إن إعلان الرب أسراره لبعض أبنائه يحمل لونا من الحب والاهتمام.
إنه يكشف أسراره لأبناء,بينه وبينهم نوع من الدالة ويوحنا الحبيب كانت له هذه الدالة مع الرب وكان لقبهالتلميذ الذي يسوع يحبهوكان يتكيء في حضنهيو13:23.
فليس عجبا إذن أن يفتح قلبه ويعلن أسراره لهذا التلميذ الذي كان يتكيء علي صدره ويسمع دقات قلبه
+++
وكشف الرب أسراره للبشر يحمل أيضا معني التواضع
حقا إنه تواضع من الرب أن يحكي لبعض البشر ما يريد أن يفعل مما لابد أن يكون عن قريبرؤ1:1سواء بالنسبة إليهم شخصيا كما كشف ليوسف الصديق في حلم ما سيكون بالنسبة إلي مستقبلهتك37أو يكشف الرب ما سوف يحدث للآخرين كما ذكر لأبينا إبراهيم ما سيحدث لأولاده بعد أكثر من أربعمائه سنةتك15:13.
+++
ويدخل في هذا الكشف ما أعلنه الرب للأنبياء
سواء بالرؤي أو بالأحلام عما سيحدث في المستقبل وحتي في آخر الأيام كما شرح لدانيال النبي في الرؤيا وقيل لهإن الرؤيا لوقت المنتهيدا8:17وكما فسر له أحلام نبوخذ نصر وما سوف يحدث ويعوزني الوقت أن أتكلم عما كشفه الرب لدانيال بالذات...كذلك ما كشفه الرب ليوسف الصديق عما سيحدث لرئيس السقاة ورئيس الخبازينتك40وما كشفه عما يحدث لمصر من سبع سنوات شبعا وسبع سنوات جوعا فأعجب به فرعون وقال عنه لعبيدههل نجد مثل هذا رجلا فيه روح الله؟!تك41:38.
+++
والذي يكشف له الله يعتبر إنسانا مفتوح العينين.
كما كشفت بعض نبوءات لبلعام فقال عن نفسه وحي بلعام بن بعور,وحي الرجل المفتوح العينين وحي الذي يسمع أقوال الله الذي يري رؤي القدير مطروحا وهو مكشوف العينينعد24:4,3
وكما قال السيد الرب لتلاميذه طوبي لعيونكم لأنها تبصر ولآذانكم لأنها تسمع فأني الحق أقول لكم إن أنبياء وأبرارا كثيرين اشتهوا أن يروا ما أنتم ترون ولم يروا وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوامت13:17,16
+++
إن العيون المفتوحة موهبة من الله دائمة أو مؤقتة
المؤقتة تحمل إعلانا معينا في وقت من الأوقات وينتهي الأمر.
أما الموهبة الدائمة فهي التي تستمر كالرسل الذين لهم عيون تبصر ومثلما قال القديس بولس الرسول عن نفسهولئلا ارتفع بفرط الإعلانات أعطيت شوكة في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني لئلا ارتفع2كو12:7إنها كثرة استعلاناتوفي احداها اختطفت إلي السماء الثالثة وسمع كلمات لاينطق بها...2كو12:4.
العجيب أن علماء الأرواح يسمون هذه الموهبة الدائمة باسمالجلاء البصريفمن عندهم هذا الجلاء البصري يرون أشياء كثيرة لايراها غيرهم..علي أننا نتكلم هنا عن جلاء روحي..كموهبة من الله وليس كطبيعة لروح إنسانية.
+++
هذا الإعلان الذي كشفه الله ليوحنا أعلنه له ليري عبيده ما لابد أن يكون أي ليعلنه أيضا لغيره.
وهكذا قال له أيضاوالذي تراه اكتبه في كتاب وارسله إلي السبع الكنائس التي في آسيا..رؤ1:11.
وقد كتبه يوحنا في سفر الرؤيا وأعلنه للعالم أجمع..
وهنا:هل يحق لنا أم لايحق أن نعاتب معلمنا بولس الرسول لأنه لم يكشف لنا ما رآه وما سمعه في السماء الثالثة التي اختطف إليها؟!لاشك أن له عذره لأنه قال عما سمعه من كلمات إنها كلمات لاينطق بها ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها2كو12:4
إذن هناك إعلانات خاصة ولم يسمح الله أن تكون للإعلان العام.
مثلما حدث للقديس بولس الرسول عن السماء الثالثة
أما القديس يوحنا فقد سمح له أن يكشف رؤياه وأن يكتبها.
+++
ما أكثر الذين رأوا أشياء ولم يخبروا بشيء منها!
مثال ذلك:لعازر أخو مريم ومرثا الذي أقامه الله في اليوم الرابع لاشك أنه في الأيام التي سبقت إقامته من الموت قد رأي أشياء كثيرة بعد موته ولكنه لم يخبرنا كيف خرجت روحه؟وأين ذهبت بعد خروجها من الجسد؟وماذا كان شعورها وقتذاك وطوال تلك الأيام؟وماذا رأت؟ومن رأت؟وكيف رجعت وكيف اتحدت بجسدها مرة أخري؟لعلها هي أيضا أمور لايسوغ لإنسان أن يتكلم بهاكما قال معلمنا بولس الرسول أنها مختومة بسبعة ختوم.
+++
ونحن نشكر الله أن رؤيا يوحنا سمح له أن ينشرها وسمح لنا نحن أيضا أن نقرأها بل قال أكثر من هذا:
طوبي للذين يقرأون وللذين يسمعون أقوال هذه النبوة ويحفظون ما هو مكتوب فيهارؤ1:3إذن طوباك أيها القاريء العزيز الذي تقرأ معنا هذه الرؤيا التي من أهميتها نظمت الكنيسة قراءتها في ليلةأبو غالمسيسبعد الجمعة العظيمة أي ليلة سفر الرؤيا....وتردد مع قراءتها من له إذن للسمع فليسمع ما يقوله الروح للكنائسرؤ3:22.
وكلمةيسمعهنا ليس معناها مجرد سماع الأذن
بل معناهامن يسمع ويعملكما قال الرب في آخر عظته علي الجبل مت7:24فلان يسمع الكلام أي يسمع ويطيع..
وهكذا قالالذين يسمعون أقوال هذه النبوءة ويحفظون ما هو مكتوب فيها أي يحفظونه في قلوبهم كما قال داود النبي:خبأت كلامك في قلبي لكي لا أخطيء إليك مز119.
+++
القديس يوحنا يبدأ رؤياه بعبارة نعمة لكم وسلام:
فيقول:يوحنا إلي السبع الكنائس التي في آسيا:نعمة لكم وسلام من الكائن والذي كان والذي يأتيرؤ1:4وكونها مرسلة إلي السبع الكنائس التي في آسياإنما تعني أيضا أنها مرسلة إلي كل كنائس العالم.مثلما نقول عن رسائل القديس بولس الرسول إن بعضها مرسلة إلي رومية أو كورنثوس أو غلاطية أو أفسس أو فيلبي..وهي في نفس الوقت مرسلة إلي كل بلاد العالم وليست إلي المدن المذكورة وحدها:
+++
وعبارة نعمة لكم وسلامتعود الآباء الرسل أن يبدأوا بها كل رسائلهم.
نلاحظ هذا في كل رسائل القديس بولس الرسول إنها النعمة التي يهبها الرب للإنسان لكي يستلم بها كلمة الله ورسالته إليه والنعمة التي تعطيه فهم ما يقرأ والتي تعطيه القوة علي التنفيذ وتقوده في حياته كلها.....
السلام أيضا هو الدعاء الذي يبدأ به كل لقاء وكل زيارة وكل رسالة حسب تعليم الرب وحسب لقائه مع تلاميذه بقوله سلام لكموأيضا حسب قولهسلامي أنا أعطيكم سلامي أتركه لكميو14:27.
وأيضا يكون لكم سلام حينما تقرأون في هذه الرؤيا عن الضربات التي ستصيب العالم من الأبواق والجامات التي يحملها الملائكة السبع والتي يصب فيها غضب الله علي العالم
+++
هذه النعمة وهذا السلام ليس مصدرهما القديس يوحنا وإنما هما من الله نفسه.
ولذلك يقول نعمة لكم وسلام من الكائن والذي كان والذي يأتيرؤ1:4فهو الكائن منذ الأزل والذي كان منكم في القديم وفي فترة تجسده علي الأرض والذي سوف يأتي في مجيئه الثانييسوع المسيح الشاهد الأمين البكر من الأموات ورئيس ملوك الأرضرؤ1:5.
فمن نعمة هذا الذي كان ومن سلامهأنه أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه وجعلنا ملوكا وكهنة لله أبيه له المجد والسلطان إلي أبد الآبدين آمينرؤ1:6,5.
وعبارة ملوكا وكهنةلاتعني هنا المعني الحرفي فكما أن الكل ليسوا ملوكا بالمعني الحرفي كذلك ليسوا كلهم كهنة بالمعني الحرفي.
وقد تعني الذين جعل من البشر ملوكا وكهنة وكما قال القديس بطرس الرسول كونوا أنتم مبنيين كحجارة حية بيتا روحيا كهنوتا مقدسا لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله...1بط2:5.
+++
+ أما عن المجيء الثاني للسيد الرب فقالهوذا يأتي علي السحاب وستنظره كل عين والذين طعنوه وتنوح عليه جميع قبائل الأرضرؤ1:7وهذا الكلام يخجل شهود يهوه الذين-مخالفين للنص الكتابي-يقولون أن مجيء المسيح الثاني سيكون مجيئا غير منظور!!لاتنظره كل عين والذين طعنوه!
+++
جميل بالقديس يوحنا أنه علي الرغم من أسلوبه الروحي في إنجيله ورسائله يتكلم أيضا كلاما في عمق اللاهوتيات حتي لقبوهالقديس يوحنا اللاهوتي.
فهو هنا يردد كلام السيد المسيحنعم آمين أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول السيد الرب الكائن والذي كان والذي يأتي القادر علي كل شيء رؤ1:8.
وعبارة الذي يأتيتعني السيد المسيح فهو الذي سيأتي علي السحاب إذن كل الصفات تنطبق عليه وتدل علي لاهوته.
فلا يستطيع كائن مخلوق أن يقول أنا الألف...والبداية إنما يقول ذلك الذي ليس قبله من يخلقه...والذي قال في سفر إشعياء النبيقبلي لم يصور إله وبعدي لايكونأش43:10أنا هو أنا الأول وأنا الآخرأش48:12